بورصة الولاءات في العمل النقابي

الشيخ محمد المامِ

على هامش الحملة الانتخابية لتجديد مكتب مناديب العمال في شركة اسنيم أسجل بعض ملاحظاتي، فكلما بدأ العد التنازلي لانتهاء مأمورية انتخابية وحدد موعد الانتخابات، بدأت اسهم الولاءات تتذبذب، ظاهرة تبدو للعيان صحية في ممارسة الأفراد لحريتهم في الاختيار، وفق ضوابط مدروسة، وتصحيحٍ للمسارات تحت ضمانات معينة، إلا أن الناخب العمالي لا يبذل جهدا في الاختيار، و في المقابل يتوقع المكاسب القيمة والمستديمة، هو مستمر في الحلم على أنغام الصراعات القديمة التي يجترها مع كل فرصة تغيير، وبذلك يمارس إحراق طموحاته بيديه، لقد حول الصراع من نضال عمالي يطالب الشركة ببذل مزيد من أجل العامل، إلى صراع عمالي عمالي يقسم العمال إلى مناضل ومناضل مع وقف التنفيذ، وبما أن هذا الصراع في صالح الشركة لن تحاول فك الاشتباك فيه، وبهذا ندرك أن عملية الانتخاب لن تحقق حلم العامل بقدر ما ستفرز مستوا من الديمقراطية واحتراما للقوانين بالنسبة للشركة، وفي المقابل تنتج لحنا غير متجانس، لا يفتك من عقدة الصراع ومحاولة تثبيت الخصم على الحلبة من اجل السيطرة، و بذلك يبقى الحلم كما كان، مؤجلا إلى وقت غير معلوم.
 

ولأن العمل النقابي عمل تراكمي ونضال مستمر لا يحقق نتائج كبرى في وقت وجيز، وإنما من أنصاف الحلول وأرباعها تتحقق المكاسب الكبرى، وهذا يحتاج إلى حنكة من طرف النقابي، وصبرا من طرف العامل، وهنا مربط الفرس، فالعامل لا يريد حلولا ناقصة، لذلك يبقى التغيير هو الاحتمال المفقود في طرفي المعادلة، لتكون إعادة التدوير مصيدة للحلم العمالي ولعل أبرز الإشكاليات في ذلك ثلاثة:
أولا: صعوبة العمل النقابي وضعف التكوين، والجهل بالقوانين، وهي أدوات النقابي التي يمارس من خلالها العمل، وهي نقطة تحسن الشركة استغلالها.
 

ثانيا: علاقة العمل النقابي بالسياسة، فالارتماء في أحضان الأجندات الحزبية من نواقض العمل النقابي، والعكس غير صحيح لأن غالبية التيارات السياسية الكبرى في جذورها خرجت من رحم العمل النقابي.
 

ثالثا: وهو الأهم السهر على تطبيق القوانين ومراقبتها والمساوات في تطبيقها بين العامل والمُعمِّل، وفي هذا السياق يجب إلغاء موسمية الزيارات بالنسبة للأطقم الإدارية للنقابات لممثلياتها في الداخل، في فترات الحملة الانتخابية فقط، لتكون متكررة من أجل تعزيز دورها في الرقابة و التنسيق والتأطير والتحديث المستمر.
 

وإلى أن تجد هذه الإشكاليات حلا يبقى الوعي بأهمية العمل النقابي مختزلا في حقوق آنية ضيقة جدا، وجودها كعدمها لا تحس له بتأثير مستدام على العامل بل قد يكون وجودها على حساب بعض العمال الآخرين، وهذا ما يحاول البعض التطعيم ضده بهذا التموقع المتجدد دوما، وهي الضمانات التي يدرك العامل أن انتماءه لهذه النقابة أو تلك يمكنه من الحصول عليها، ليظل صعود بعض النقابات على حساب أخرى شكليا بالنسبة للعامل وليس تغييرا جوهريا يحمل معه إنجازات تنتشل العامل من جشع رأس مالية متوحشة وطاحونة أسعار لا ترحم.
 

وفي الأخير اسأل الله التوفيق للجميع.

 

19 April 2024